in

انا والبحر

كان أحمد طفلاً مغامراً يحب البحر والسباحة. كل صيف، كان يذهب مع عائلته إلى شاطئ البحر ، ويقضي ساعات طويلة في الماء. كان يحلم بأن يكون رائد فضاء أو مستكشف أعماق البحر، ويتخيل نفسه في عوالم جديدة وغريبة.

في أحد الأيام، كان أحمد يسبح بعيداً عن الشاطئ، ورأى شيئاً لامعاً في قاع البحر. فضوله جعله يغوص أكثر ليرى ما هو. وجد أنه قطعة من الزجاج الملون ، تشبه عين السمكة. أخذها في يده، وشعر بشيء غريب. كأن الزجاج يتحدث إليه، ويدله على شيء مخفي.

أحمد تابع الزجاج، وسبح نحو الأعمق والأظلم. كان يشعر بالخوف والإثارة في نفس الوقت. رأى أنواعاً مختلفة من الأسماك، بألوان وأشكال غير مألوفة. رأى القروش والحيتان والأخطبوطات وغيرها من المخلوقات البحرية. كانت رؤية رائعة ومدهشة.

ولكن ما لم يره أحمد هو أنه كان يقترب من شيء أكبر وأخطر من كل ما رآه. شيء لم يكن يتوقعه أحد….

أحمد وصل إلى مكان يبدو كمدخل لكهف ضخم في قاع البحر. الزجاج الملون كان يلمع بقوة، ويشير إلى الداخل. أحمد شعر بفضول شديد، وأراد أن يعرف ما يخبئه الكهف. دخل الكهف، وسبح في الظلام. لم يلاحظ أن الزجاج بدأ يتغير لونه من الأزرق إلى الأحمر.

فجأة، سمع صوتاً عالياً ومخيفاً، يشبه زئير الأسد. نظر حوله، ورأى عينين ضخمتين وحمراوتين تحدقان به من العمق. كان أمامه وحش بحري هائل، يشبه التنين، بجسم مغطى بالأشواك والزعانف والأسنان. كان الوحش هو صاحب الزجاج الملون، وكان يستخدمه لجذب الفرائس إلى كهفه.

أحمد أدرك أنه في خطر كبير، وحاول الهروب. لكن الوحش كان أسرع منه، وأمسك به بفكيه القويين. أحمد صرخ من الألم، وشعر بالدماء تسيل من جسده. ظن أنه سيموت، وتذكر عائلته وأصدقائه وأحلامه.

ولكن في ذلك الوقت، حدث شيء غير متوقع. سمع صوتاً آخر، يشبه صفير الطائر. نظر إلى فوقه، ورأى طائر بحري جميل، يشبه الطاووس، بريش ملونة وجناحين طويلين. كان الطائر هو صديق أحمد، وكان قد تابعه من الشاطئ. كان الطائر يستطيع التحدث مع الأسماك والطيور والحيوانات، وكان يعرف سر الزجاج الملون.

الطائر هاجم الوحش بجناحيه، وضربه على عينيه. الوحش تألم، وترك أحمد من فكيه. أحمد استغل الفرصة، وسبح نحو الخروج من الكهف. الطائر تابعه، وحماه من هجومات الوحش. خرجا من الكهف، وصعدا نحو سطح الماء.

أحمد شعر بالارتياح والامتنان لصديقه الطائر. شكره على إنقاذ حياته، وسأله عن اسمه. قال الطائر: “اسمي بطيخ ، وأنا طائر بحري سحري. أتى من عالم آخر، حيث تعيش المخلوقات المدهشة. جئت إلى هذا العالم للاستكشاف والتعلم. رأيتك تسبح في الماء، وأعجبت بشجاعتك وفضولك. أردت أن أكون صديقك، وأن أريك عالمي.”

أحمد تعجب من قصة بطيخ ، وشعر بالفضول أكثر. سأله عن عالمه، وعن المخلوقات التي تعيش فيه.  بطيخ أجابه بحماس، وبدأ يحكي له عن مغامراته ومعارفه. أحمد استمع بانتباه، وتخيل نفسه في عالم بطيخ. شعر بالسعادة، ونسي خوفه وألمه.

وهكذا بدأت صداقة غريبة وجميلة بين طفل بشري وطائر بحري سحري. كانا يلتقيان كل صيف، ويسبحان في البحر، ويرى الأسماك. كانا يتحدثان عن حياتهما وأحلامهما، ويتعلمان من بعضهما. كانا يستمتعان بوقتهما معاً، ولا يخبران أحداً بسرهما.

بعد ذلك، استمر  و بطيخ في صداقتهما لسنوات عديدة. كلما كان أحمد في الشاطئ، كان يلتقي ببطيخ ، ويسبح معه في البحر. كانا يزوران أماكن جديدة ومثيرة، ويرى المخلوقات البحرية العجيبة. كانا يتشاركان قصصهما وأفكارهما، ويضحكان معاً.

ولكن مع مرور الوقت، بدأ أحمد يكبر ويتغير. بدأ يهتم بأشياء أخرى، مثل المدرسة والأصدقاء والفتيات. بدأ ينسى عن بطيخ والبحر، ويقضي وقته في البر. بدأ يشعر بالملل من السباحة والمغامرة، ويريد أن يجرب حياة جديدة.

بطيخ شعر بالحزن والوحدة لفقدان صديقه. حاول أن يجذب انتباهه، ويذكره بالأوقات الجميلة التي قضياها معاً. لكن أحمد لم يكن يستجيب له، وكان يبتعد عنه أكثر فأكثر. بطيخ فهم أن أحمد قد نسيه، وأن صداقتهما قد انتهت.

في أحد الأيام، قرر بطيخ أن يودع أحمد للمرة الأخيرة. ذهب إلى الشاطئ، وانتظر أحمد حتى جاء. عندما رآه، طار نحوه، ووضع ريشة ملونة من ريشه على صدره. ثم قال له: “أحمد، أنا ، صديقك الطائر البحري. جئت لأقول لك وداعاً. أنا سأغادر هذا العالم، وأعود إلى عالمي. أشكرك على كل شيء بطيخ ، على صداقتك ومغامراتك وضحكاتك. كنت أفضل صديق لي في حياتي. أتمنى لك كل الخير، وأتمنى أن تكون سعيداً. ولا تنسى أبداً أن هناك طائر بحري سحري يحبك كثيراً.”

أحمد سمع كلام بطيخ، وشعر بالدهشة والذنب. تذكر كل شيء عن بطيخ، عن كيف التقى به، وكيف أصبح صديقه، وكيف قضى معه أجمل سنوات حياته. تذكر كل المغامرات التي عاشها معه، وكل المخلوقات التي رآها معه. تذكر كل القصص التي سمعها منه، وكل الأفكار التي تعلمها منه. تذكر كل السعادة التي شعر بها معه، وكل الضحكات التي ضحك بها معه.

أحمد نظر إلى بطيخ، وشعر بالأسف والشوق. حزن على فقدان صديقه، وندم على إهماله. أراد أن يعتذر له، وأن يطلب منه أن يبقى معه. أراد أن يقول له كم يحبه، وكم يفتقده. أراد أن يعيد الزمن إلى الوراء، وأن يعيش معه من جديد.

لكن قبل أن يتمكن من قول أي شيء، بطيخ طار بعيداً، واختفى في السماء. أحمد بقي وحيداً على الشاطئ، وهو يحمل ريشة بطيخ في يده. نظر إلى الريشة، وبدأ يبكي. بكى على صديقه الطائر البحري السحري، الذي كان له كل شيء.

التقى أحمد بأشخاص آخرين غير بطيخ ، ولكن ليس كثيراً. كان أحمد يفضل البقاء مع بطيخ ، وعدم الكشف عن سره.

 لكن في بعض الأحيان، كان يلتقي بأطفال آخرين على الشاطئ، ويتحدث معهم عن البحر والسباحة. 

كان يحاول أن يكون لطيفاً وودوداً معهم، ولكنه لم يشعر بالانتماء إليهم. كان يشعر أنه مختلف عنهم، وأنه لا يستطيع أن يشاركهم حقيقة حياته.

وفي مرة واحدة، التقى أحمد بفتاة اسمها لارا، كانت تسبح في البحر بالقرب منه. كانت لارا طفلة جميلة وذكية وشجاعة، تحب البحر والمغامرة مثله. تحدثا معاً عن أشياء مختلفة، وضحكا معاً على نكاتهما. 

أحمد شعر بالإعجاب بها، وأراد أن يصبح صديقها.

لكن بطيخ شعر بالغيرة من لارا، وخاف أن تأخذ صديقه منه. فقام بإزعاجها بطرق مختلفة، مثل رش الماء عليها، أو سحب شعرها، أو إخفاء نظارتها. لارا غضبت من جاد، وشتمته بأسماء قبيحة. بطيخ رد عليها بالمثل، وبدأت مشاجرة بينهما.

أحمد حزن لهذا الصراع بين صديقيه، وحاول أن يصالح بينهما. لكن لم يستطع أن يفعل ذلك، فكلاهما كان عنيداً وغيوراً. فأخذ أحمد قراراً صعباً، وهو أن يتجنب لارا، وألا يتحدث إليها مرة أخرى. شعر بالأسف لذلك، فكانت لارا فتاة رائعة، وكان يحبها. لكنه اختار بطيخ ، فكان هو صديقه الأول والأخير.

وهذه هي قصة أحمد مع الآخرين. لقد كان حياته صعبة وغامضة، فلم يستطع أحد  أن يجد مكانه في هذا العالم. لكنه كان سعيداً بـ حياته.

                                               Ahmed Elsayed Ewida

 

Written by Ahmed Elsayed

اترك تعليقاً

برج العذراء وصفاته وحظك اليوم

التعاطف عند الحيوان